الجمعة 23 يوليه 2021
يتذكر نجيب محفوظ يوم 23 يوليو 1952، فيقول:
«صباح يوم الثورة خرجت من بيتي متوجهًا إلى عملي في وزارة الأوقاف، ولفت نظري أن خطوط الترام متوقفة عن العمل على غير العادة، فسألت بائع الصحف عن ذلك، فأخبرني بأن الجيش قام بعمل "إضراب" في العباسية، وتوقعت وجود حركة "تمرد" في صفوف الجيش احتجاجًا على تدخل الملك فاروق في انتخابات نادي الضباط، وأن أنصار اللواء محمد نجيب الذي نجح في الانتخابات ضد مرشح الملك، اللواء حسين سري عامر، قاموا بهذا الإضراب للتعبير عن احتجاجهم لا أكثر. وأثناء مروري في شارع الشريفين – حيث مبنى الإذاعة القديم – لفت نظري كذلك وجود دبابة تقف في مواجهته، ولما وصلت إلى مبنى وزارة الأوقاف، توجهت إلى مكتب سكرتارية الوزير، وفور دخولي بادرني عبد السلام فهمي بسؤالي عما إذا كنت سمعت الإذاعة اليوم. ولما أجبت بالنفي، أخبرني بأن الجيش قام بعمل انقلاب، وأنه أذاع بيانًا، وحكى لي عن التفاصيل، فلم أزد على أن قلت له "يا خبر أسود"!!. فقد تداعى إلى ذهني في تلك اللحظة أحداث الثورة العرابية، وكان لديّ ظن أكيد بأنني في أثناء عودتي إلى البيت بعد انتهاء موعد العمل، سأجد الجيش البريطاني في شوارع القاهرة، بعد أن يكون قد قضى على الانقلاب العسكري وقادته، وانتابتني حالة من القلق الشديد على مصير البلد.
وعدت إلى البيت، ولم يحدث شئ مما توقعته، ومرت عدة أيام، ولم يتدخل الإنجليز، وكانت كل الدلائل تشير إلى نجاح حركة الجيش، خاصة بعد ما تأكد لنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعارضها، ففي تلك الأثناء انتشرت شائعات بين الناس تقول إن الأمريكان يقفون وراء الثورة، وذهب البعض إلى القول إن حركة الجيش ما هي إلا مؤامرة من تدبير المخابرات الأمريكية، وأن قادتها ما هم إلا عملاء لها. لم أصدق هذه الشائعات، وإن كنت أميل إلى وجود تنسيق ما بين حركة الجيش والأمريكان، ذلك أن مصالحهما اتفقت في تلك الظروف التاريخية على التخلص من الاستعمار الإنجليزي وإحداث تغيير في المنطقة.. وكان هذا التنسيق من أسباب نجاح الثورة، وكان هو نفسه السبب الرئيسي في إخفاق ثورة عرابي، ذلك أن أحمد عرابي اعتمد على تأييد الشعب، واصطدم بالقوى الاستعمارية دون أن يكون له سند قوي يحمي ظهره حتى لو كان تركيا المريضة».
من كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" لرجاء النقاش.