عن متعة الاكتشاف الثاني للأفلام - من كتاب "سينما مصر" - مدونة - مكتبات الشروق
عن متعة الاكتشاف الثاني للأفلام - من كتاب "سينما مصر"
الخميس 16 سبتمبر 2021

في كتابه الصادر حديثًا "سينما مصر" كتب الناقد محمود عبد الشكور:

«قبل سنوات طويلة، عرض التليفزيون المصري مسلسلًا بديعًا بعنوان "اللقاء الثاني"، عن قصة للأديبة نهى حقي، وسيناريو وحوار عاطف بشاي، وإخراج علية ياسين، وبطولة محمود ياسين وبوسي. وبعد حلقات قليلة، كان العمل يحقق نجاحًا مدويًا، بل إنني ما زلت أعده حتى اليوم من أفضل مسلسلات الدراما التليفزيونية، مع أنه أقل شهرة من أعمال كثيرة.

كانت فكرة المسلسل عن اختلاف ظروف شخصيات العمل ورؤيتهم بين لقائهم الأول ولقائهم الثاني الذي قد يحدث بعد سنوات بالمصادفة. كل حلقة حكاية مختلفة، وشخصيات مختلفة، ولكن الزمن يغير ويبدل، ويدفع الطرفين إلى تأمل هذه التغيرات، وإلى اكتشاف جوانب خافية متعددة في الصور والانطباعات، وفي الظروف والأحوال.

التقط الشاعر الكبير سيد حجاب هذا المعنى، فقدم أغنية التتر الجميلة بصوت علي الحجار وألحان عمر خيرت، أغنية أصبحت شهيرة الكلمات والمعاني، اسمها "زي الهوا"، يرى فيها حجاب عن حق أن اللقاء الثاني لا يجعل من الوجوه الوجوه نفسها، فالزمن يجعلها شيئًا آخر، بل ويبدو أن الزمن هو الذي يعيش البشر، وليس البشر هم الذين يعيشون الزمن.

يحاول هذا الكتاب، الذي يلتقي من جديد مع أفلام مصرية مختلفة، أن يكرر على نحو ما دهشة الاكتشاف التي أمسك بها مسلسل "اللقاء الثاني"؛ فلطالما تمنيت أن أشاهد من جديد أفلامًا مهمة، أو تجارب مبكرة لمخرجيها الكبار، أو أعمالًا متعددة المستويات، لكي أكتب عنها بالتفصيل، وبمنظور أعمق وأشمل، خصوصًا بعد مرور سنوات من المشاهدة الأولى لهذه الأفلام.

جرت في النهر مياه كثيرة منذ أول مشاهدة؛ تغيرت ثقافتي وقراءاتي وتجاربي الحياتية، وتغير أيضًا مفهومي عن قراءة الأفلام. صناع هذه الأفلام تطوروا بدورهم، وقدموا مزيدًا من الأفلام، ومن ثم أصبح من الضروري البحث عن موقع تلك الأفلام وسط إنتاجهم بكامله.

صار الفيلم نفسه وسط دائرة أوسع من تيارات واتجاهات سينمائية محلية وعالمية، وأضحى حلقة في سلسلة أعمال نجوم أو فنانين تغري بالمقارنة والاكتشاف، وأصبح استدعاء فيلم ما بالضرورة استدعاءً لمعنى عصر وزمن، واكتشافًا جديدًا لمستودع من الثقافة والفن والاقتصاد والسياسة والتاريخ والعادات والتقاليد، بل واستدعاء للزمن نفسه عبر الصوت والصورة.

تحقق كل ذلك عندما بدأت رحلة المشاهدة الثانية؛ لم تتغير – بشكل عام – أحكامي النهائية على تلك الأفلام سلبًا أو إيجابًا، ولكن ما تغير حقًا هو تحليل التفاصيل، وقراءة الدلالات، واكتشاف بعض العلاقات في إطار أشمل وأعم، كما أن الزمن أنصف أفلامًا كثيرة لم تحقق في وقتها النجاح ولا لفتت الأنظار؛ الزمن هو الاختبار الحقيقي للفن وللفنان وللإنسان على وجه العموم، حتى الجوائز يتراجع تأثيرها، ويبقى الفيلم بمفرده لكي يدافع عن نفسه أمام المشاهد، وأمام الناقد».

لطلب الكتاب:

للقاريء أن يستقبل "سينما مصر" كقصيدة طويلة تتعدد أبياتها بتعدد الأفلام التي يتناولها، في حب السينما المصرية، وريبرتوارها العظيم الحافل بالجواهر.

يستعيد محمود عبد الشكور تراث مصر السينمائي، مُنتقيًا من دُرره ما يمنح قارئه نظرة بانورامية شاملة على تاريخها، ومُجاورًا بين عين الناقد وعين عاشق السينما، فلا تطغى موضوعية التحليل على طزاجة النظرة البكر، المُحْتَفية بالفن. وكما يستدعي ذكريات المشاهدة الأولي في الصبا، ومع صُنَّاع الأفلام، يفحص أيضًا مدى صمودها أمام الاختيار الصعب للزمن، واختلاف الذوق وتطوُّره، وكذلك الخبرة الشخصية في النقد السينمائي.

تتعدد الأوصاف التي يُعرَّف بها محمود عبد الشكور. لكننا نجد له وصفًا أشمل هو "جواهرجي الفن والجمال". وهذا الكتاب خير دليل.

شارك بتعليقك
جميع الحقوق محفوظة - مكتبات الشروق 2024