الذي يتأمّل هذه المجموعة القصصية يتبادر إلى ذهنه سؤال حول مرجعيّة غسان كنفاني في بناء القصة القصيرة أو بناء الرواية أيضاً، فهذه المجموعة تلتبس في بنائها مع بناء الرواية أو الرواية القصيرة (النوفيلا) على وجه الخصوص إذ إن القسم الأوّل من " عن الرجال والبنادق" تدور مشاهده جميعاً حول أسرة أبي قاسم، وربّما تدور بشكل رئيس حول منصور ابن السابعة عشر من قرية "مجد الكروم" الذي يبحث عن بندقية ليصد الأعداء عن قلعة صفد، إذ نجد أحدهم قد أجر بندقيته لأبيه مقابل جنيه واحد. أما المناضلون الآخرون فيحصلون على السلاح بالقوة حيث حصل أحدهم بهذه الوسيلة على أكثر من مائة قطعة سلاح.
ويمثل القسم الثاني قصة اللجوء إلى المخيم، وكيف يصارع ابن العاشرة للحصول على الطعام. وإذا كانت قصص غسان كنفاني حملت هم القضية الفلسطينية، فإنّ هذا الهم انطلق إلى آفاق الإنسانية الرحبة، موحداً القومي والإنساني. ونلاحظ أنّه اتجه إلى التعبير الرمزي عن جوهر قضايا الإنسان الوجودية مثل الحرية والهوية والحب والموت كما نلاحظ في قصة من أبرع قصص المجموعة هي قصة "الصقر" التي توحد بين شخصية الحارس والصقر. إذ يقدم غسان مشهداً رائعاً يتم على دقة بالغة في الملاحظة الواقعية، وفي متابعة أحوال الصقور [...]، فثمة إشارة رمزية إلى التوحد بين الشخصية والصقر حين تغوص إلى أعماق الإنسان، وتستصفي جوهره النادر. ولعل الشخصية والصقر رمزان للمناضل الجسور الذي يسعى إلى أن يكون طليقًا في فضاء لا يعرف القيود والحدود.
استطاع غسان أن ينشر رؤيته الفكرية والإجتماعية والسياسية والقوميّة ملتحمة برؤيته الإنسانية العميقة في نسيج قصصه دون أن يفرضها على نحو قسري فج، مثلما لم يستجب للأشكال أو المرجعيات الجاهزة، إنّه صانع فكره، ومبدع رؤيته وتشكيله.