الجمعة 4 يونيو 2021
إذا تناولت رواية "صليب موسى" للكاتب هيثم دبور، في أحد المكتبات، وقرأت كلمة الغلاف ستعرف ببساطة أن الأحداث تدور حول تحقيق في وفاة غامضة لراهب في دير سانت كاترين. لكن هذه النقطة هي بمثابة الثقب الأسود الذي ينقلنا إلى أبعاد متعددة في الزمكان. تأخذنا الرواية في رحلات متعددة بين أزمنة وأماكن مختلفة، وشخصيات تاريخية نجدها تنبض بالحياة على صفحات الرواية.. رحلات تتنقل بنا بين تراث جميع الأديان السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام.. رحلات نكتشف معها كما تقول الرواية أيضًا أن "التاريخ مجرد رواية".
في هذا المقال سنجوب بك أبرز الأزمنة التي تنقلنا الرواية إليها، لنطل من نافذة الآلة الزمنية على كل زمن.. ونتوقف في أي زمن نختاره..
1- دير سانت كاترين في أعقاب ثورة يناير 2011:
هنا الإطار العام للرواية. حيث تدور الأحداث عن مقتل أحد رهبان دير سانت كاترين، يوناني الجنسية، ويُدعى "بافلوس". ويُستدعى للتحقيق المصور "أحمد بهي" المرتبط بتاريخ طويل مع الدير ومع الكاهن المقتول. لكن لكي نكتشف الحقيقة علينا أن نسير أولًا مع "بهي" في دهاليز التاريخ.
2- قصر الوالي عباس حلمي الأول في بنها:
في أوائل صفحات الرواية ينقلنا الكاتب إلى قصر الوالي عباس حلمي الأول، المطل على نيل بنها، لنرى بأعيننا مشهد اغتيال والي مصر. نشعر بمشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الغلامين اللذين يخططان لاغتياله. ونسمع دقات عقارب الساعة التي تقول دائمًا: "ليس هناك وقت".
3- عهد النبي موسى:
على مدار صفحات الرواية نرى مشاهد كثيرة من حياة النبي موسى - عليه السلام – منذ أن كان طفلًا. نرى فرعون وهو يصرخ، وينادي على حرسه: "يا خدم.. اقتلوا الطفل موسى فهو عدوي!". ثم شفاعة "آسيا" ومن ثم اختبار موسى بالنار. وفي موضع آخر من الرواية نرى موسى غاضبًا بعد أن رأى قومه المتراقصين حول العجل. وهو يجر أخاه بيمينه من شعر رأسه، وبيساره من لحيته. ثم وهو يسأل: "فما خطبك يا سامري؟!"
4- محاكمة سليمان الحلبي قاتل كليبر:
" أن المتهوم مثبت أثمه الكريه بقتل السر عسكر فلهذا هو يكون مدحوضا إلى تحريق يده اليمنى وبتخزيقه حتى يموت فوق خازوقه، وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور".
في الرواية نرى كيف كانت محاكمة سليمان الحلبي؟ الشاب الأزهري الذي كان عمره 24 عامًا حين اغتال قائد الحملة الفرنسية على مصر الجنرال كليبر (أو ساري عسكر كما أطلق عليه الجبرتي). وكيف حُكم عليه بحرق يده اليمنى وأن يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور؟!
5- الحسن الجيلاني والإمام القرطبي:
هنا رحلة أخرى تصحبنا فيها الرواية. حيث نرتحل مع طالب العلم المتصوف الحسن الجيلاني من مقر سكنه في حارة الجوانية بالجمالية إلى قرية منية بني خصيب في صعيد مصر لمقابلة الإمام القرطبي. يجري ذلك في عهد السلطان الظاهر بيبرس البُنْدُقْدارِي الملقب بـ "أبي الفتوح". في الطريق تنفق بغلته وتضيع وجهته.. وحين يصل لا تُشفى غُلَّتُه.. ويبقى معذبًا بالسؤال! لنتسائل معه: "من يستطيع إخراج إجابات غطاها تراب القبور؟!".
6- مراسلات ضابط إسرائيلي بعد النكسة:
في هذه الرحلة نقرأ من خلال الرواية مراسلات ضابط إسرائيلي يدعى ديفيد إلى زوجته شايا. يرسلها إليها من جنوب سيناء على فترات متفرقة. أولها عام 1967 بعد النكسة، وثانيها عام 1971، وثالثها عام 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد.
من خلال هذه المراسلات نعرف عن لقاء دار بين "موشيه دايان" وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها وبين رهبان دير سانت كاترين:
"ما كان من الرهبان إلا أن خرجوا واستقبلوا "موشيه ديان" خارج الدير، يبدو الأمر من بعيد أنه نوع من الاحترام والترحاب، لكنهم فعلوا ذلك ليمنعوه من الدخول، تسامر معهم، تضاحكوا، والتقطتهم عدسة مصور في وكالة الأخبار"
ليس هذا فقط. فالرواية تطوف بنا في العديد من الأزمنة الأخرى. وتتردد فيها أسماء شخصيات تاريخية عديدة بعضها شهير وبعضها ربما لم تسمع به من قبل.
تُرى ما الذي يجمع بين كل هذه الأزمنة في رواية واحدة؟!