عن يهود الإسكندرية - من كتاب "يهود مصر في القرن العشرين" لمحمد أبو الغار - مدونة - مكتبات الشروق
عن يهود الإسكندرية - من كتاب "يهود مصر في القرن العشرين" لمحمد أبو الغار
الأحد 25 يوليه 2021

في كتابه الصادر حديثًا "يهود مصر في القرن العشرين.. كيف عاشوا ولماذا خرجوا؟" يحكي د. محمد أبو الغار عن تاريخ اليهود في الإسكندرية. يقول:

«يقول جاك حسون إنه كان هناك تواجد يهودي مستمر في الإسكندرية منذ أن نشأت المدينة. وفي منتصف القرن التاسع عشر كان عدد اليهود حوالي أربعة آلاف نسمة، وفي هذه الفترة حدث تطور اجتماعي واقتصادي هائل في الإسكندرية؛ بسبب ازدهار تجارة القطن وظهور آثار افتتاح قناة السويس عام 1869، وأصبحت الإسكندرية مدينة مزدهرة في حوض البحر المتوسط وأصبح المجتمع السكندري شديد التنوع بسبب الهجرات المختلفة من حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي أدى إلى توتر مجتمعي وإثني في المدينة. وساعد على ذلك سوء إدارة الخديوي توفيق، وتدخل القوى الأوروبية المختلفة الذي انتهى بثورة عرابي والاحتلال الإنجليزي. واليهود كانوا جزءًا مهما في الاقتصاد والمجتمع السكندري وذلك بعد هجرة الآلاف من اليهود من جنوب أوروبا من اليونان وإيطاليا، وارتفع عدد اليهود إلى 9831 نسمة في 1897 بالإضافة إلى يهود من تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين والمغرب وفرنسا ثم إلى 14475 في عام 1907 و 2485 في عام1917. وقد استفاد اليهود من قانون الامتيازات الأجنبية الذي أعطاهم مميزات ضرائبية وحقوقية، وكذلك التطور الهائل في نظام التعليم المتقدم الذي ساعدت على توفيره مدارس الأليانس اليهودية الفرنسية والذي أعطاهم فرصة لتعلم اللغة الفرنسية والثقافة الأوروبية.

وفي نهاية القرن التاسع عشر هاجر إلى الإسكندرية عدة آلاف من اليهود الروس مثل عائلة هانو، وبعد ذلك هاجرت مجموعة أخرى عند قيام الثورة البلشفية، وفي أوائل الثلاثينيات هاجرت مجموعة من يهود تسالونيكي والنمسا والمجر وبولندا إلى مصر هربا من صعود النازية في ألمانيا.

يقول حسون: إن نصف يهود الإسكندرية كانوا من اليهود المصريين، والنصف الآخر ينقسم بدوره إلى ثلاثة أقسام؛ أولهما من اللادينو من سكان البحر الأبيض المتوسط الذين هاجروا من إسبانيا، والثلث الثاني من يهود إيطاليا وشرقي أوروبا، والثلث الثالث من يهود المغرب والشرق الأوسط الذين يتكلمون العربية.

كان المستوى الاجتماعي لليهود من جميع الأجناس ممثلًا في جميع الطبقات؛ فمنهم الفقراء والأغنياء. أما طبقة كبار الأغنياء فكان منهم الأجانب والمصريون، حتى لو كانوا يحملون جوازات سفر أجنبية. وكان معظم اليهود من أصحاب المهن أو التجارة البسيطة أو المتوسطة، ومعظمهم كانوا من صغار البورجوازيين.

وألقى الصحفي والكاتب نوري فارحي في أوائل القرن العشرين محاضرة عن يهود الإسكندرية، وحكى عن المصريين من اليهود الذين تركوا رشيد وإدكو إلى الإسكندرية، واستوطنوا سوق السمك القديمة، وتكلم عن البؤس الشديد الذي عانى منه اليهود في حوش الجعان وحوش النجار وحوش الحنبقي.

وقد أنشأ أغنياء اليهود في الإسكندرية مؤسسات اجتماعية لمساعدة الفقراء، مثل المستشفى الإسرائيلي، والمدارس اليهودية التي سهلت حصول اليهود على البكالوريا الفرنسية، وكذلك دار لليتامى، ولكن الفقر والبطالة أثرا على جزء من الطائفة اليهودية التي تظاهر شبابها العاطلون أمام دار الطائفة في الإسكندرية بعد الحرب العالمية الأولى؛ احتجاجًا على عدم مساعدتهم».

لطلب الكتاب:

لماذا نكتب عن اليهود المصريين الآن بعد خروجهم من مصر بستة عقود؟ هل لارتباطهم الوثيق ببلدهم مصر نفسيًا وتاريخيًا ودينيًا، أم لأن لذلك علاقة بالمواطنة بوصفها هُويَّة مشتركة ذات معنى متماثل لكل المجموعات الإثنية الوطنية؟ هل كان يهود مصر مصريين فعلًا؟ وإذا كانوا كذلك، فلماذا تركوا الوطن؟ وأيًا كان مكان انتقالهم، ماذا قالوا عن مصر؟ وما شعورهم نحوها؟ وهل اختلف هذا الشعور، باختلاف الفترات الزمنية اللاحقة؟ وهل يُخامرهم الآن الإحساس بالعودة إلى مصر، والعيش فيها؟

هذه الأسئلة وسواها مما يُجيب عنه هذا الكتاب المهم الذي اعتمد فيه مؤلفه د. محمد أبو الغار على دراسات معمَّقة صادرة بلغات مختلفة، ولقاءات حيَّة مع شخصيات يهودية مصرية بارزة تقيم في جنيف وباريس وفلوريدا ومِصر، وعلى الوثائق والصحف اليهودية التي تُغطي فترات تاريخية متباينة، وعلى التاريخ الشفهي لليهود المصريين المسجَّل والموثق في مراكز أبحاث متعددة، بالإضافة إلى محاضر جلسات الطائفة اليهودية منذ عام 1886 حتى عام 1961، ومؤلفات اليهود المصريين الذين هاجروا إلى فرنسا، وشغلوا مراكز مرموقة في الأوساط الثقافية الفرنسية، ونالوا جوائز قيمة.

لهذا أتي كتاب د. محمد أبو الغار علميًا.. موضوعيًا.. حريصًا على نقد الأفكار والمسلمات التي أحاطت باليهود المصريين، وأعاقت تقديم تاريخ اجتماعي مُنصفٍ وحقيقيٍّ لمِصر ينهض على التنوُّع والتعدد، وقبول الآخر المختلف، مؤمنًا بأن "التاريخ ملك لنا جميعًا نعرفه ونتذكره؛ لنأخذ منه الدروس والعبر"، وأن ما يكتبه عن تاريخ يهود مصر "يُتيح مصدرًا جديدًا محايدًا لنا ولأولادنا".

شارك بتعليقك
جميع الحقوق محفوظة - مكتبات الشروق 2024