الجمعة 4 يونيو 2021
«أنا رجل من غمار الموالي، فقير الأرومة والمنبت
فلا حسبي ينتمي للسماء، ولا رفعتني لها ثروتي
ولدت كآلاف من يولدون، بآلاف أيام هذا الوجود
لأن فقيرًا - بذات مساء - سعى نحو حضن فقيره
وأطفأ فيه مرارة أيامه القاسية
نموت كآلاف من يكبرون، حين يقتاتون خبز الشموس
ويسقون ماء المطر
وتلقاهم صبية يافعين حزانى على الطرقات الحزينة
فتعجب كيف نموا واستطالوا، وشبت خطاهم..
وهذي الحياة ضنينه
تسكعت في طرقات الحياة، دخلت سراديبها الموحشات
حجبت بكفي لهيب الظهيرة في الفلوات
وأشعلت عيني، دليلي، أنيسي في الظلمات
وذوبت عقلي، وزيَّت المصابيح، شمس النهار على صفحات الكتب
لهثت وراء العلوم سنين، ككلب يشم روائح صيد
فيتبعها، ثم يحتال حتى ينال سبيلًا إليها، فيركض، ينقض
فلم يسعد العالم قلبي، بل زادني حيرة راجفة
بكيت لها وارتجفت
وأحسست أني ضئيل كقطرة طل
كحبة رمل
ومنكسر تعس، خائف مرتعد
فعلمي ما قادني قطّ للمعرفه
وهبني عرفت تضاريس هذا الوجود..
مدائنه وقراه
ووديانه وذراه
وتاريخ أملاكه الأقدمين
وآثار أملاكه المحدثين
فكيف بعرفان سر الوجود، ومقصدي مبتدا أمره، منتهاه»
مأساة الحلاج - صلاح عبد الصبور