ضوءٌ على كتاب "فقه بناء الإنسان في القرآن" - مدونة - مكتبات الشروق
ضوءٌ على كتاب "فقه بناء الإنسان في القرآن"
الجمعة 4 يونيو 2021

تقول د. كفاح أبو هنود عن كتابها "فقه بناء الإنسان في القرآن" أنه "محاولة لاكتشاف كيف صنع القرآن إنسان الرسالة؟ كيف بنى قامات شيّدت حضارة إسلامية باهرة؟ وكيف كانت الكلمات تُعِيد تشكيل العقل والنفس والسلوك؟"
في زمننا اليوم نرى الكثير من حفظة القرآن الكريم والكثير من القرّاء، لكننا لا نرى الكثير ممن يتدبر القرآن ويتخذه منهجًا في الحياة. تقول الكاتبة: "القرآن في عالمنا ما زال في طور "الترتيل" ولم نعل به إلى دور (التشكيل)، نحن نتقن في القرآن الأداء الصوتي ونعجز كأمة عن الأداء السلوكي".
على مدار صفحات الكتاب تنتقي د. كفاح آيات من الذكر الحكيم وتتدبرها وتشاركنا تدبرها بأسلوب ممتع يضئ لنا جوانب ربما لم نلتفت لها من قبل في القرآن الكريم.
في هذا الموضوع سنلقي الضوء على بعض الآيات التي اختارتها الكاتبة، لنقرأ معها ونتدبر..

اقرأ، بوصلة التغيير الأولى:

كان الظن أن يكون أول حديث بين الله وبين قلب محمد الباحث حتى الوجع عن الحقيقة: كان الظن أن تكون البداية (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه: 14)، أو ربما كان الظن أن يكون أول أمرٍ لمحمد "صلى الله عليه وسلم" أن يصدح بالقول أمام قومه: (إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا) (مريم: 30). لكن البداية كانت مختلفة؛ لأن مهمة محمد "صلى الله عليه وسلم" ستكون مختلفة، والنهايات الجليلة إنما تكون للبدايات الثقيلة.
نزل الوحي وكانت مكة غارقة في صمتها ونبض محمد يلهج بسؤال اللهفة: أين الله! وكان الجواب غريبًا: (اقرأ).

ونيسرك لليسرى، اليسر وليس التشدد:

انظر إلى قوله تعالى: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ) (الأعلى: 8) في سورة (الأعلى)، هنا وعد إلهي يتوسط السورة، (وَنُيَسِّرُكَ) بنون العظمة الإلهية التي تعبر عن إرادة الله المطلقة، والتي إذا تولت عبدًا صارت الأسباب له معراجًا.
(لِلْيُسْرَىٰ) وهنا ستنفجر شلالات المعاني، وسيضئ القرآن عقولنا على مدائن من المفاهيم العظيمة!
سنيسرك يا محمد لليسرى؛ إذ اليسرى هي خيار الإرادة الإلهية لأمة محمد "صلى الله عليه وسلم"؛ فقد قال – عليه السلام -: "إنكم أمة أريد بكم اليسر".
(اليسرى) هي إذن الوثيقة التي ستمنح الحياة رقيها ودلالها، وتمنحها وسطية عالية كأنها ربوة تأنف من الصخور الواقفة بعناد في وجه الصاعدين.
(اليسرى)؛ لأنه دين سيتسع لكل الظروف والأحوال والأحداث، دين لا يشيخ.
(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ) لأن الذين يختارون التشدد لا يعرفون إلا لونًا واحدًا؛ والإسلام جاء كي يرسم لوحة الحياة بكل الألوان البهية.

والعصر، قداسة العمر:

لماذا يُقسِم الله بـ (العَصر) مُطلقًا؟ ثم يقسم على جنس الإنسان، فهل هو عصر كل إنسان فينا؟
هل هو عمر كل إنسان فينا؟ّ!
هل يخبرك القرآن هنا أن الكثير من الناس يولدون ويتنفسون كل يوم، لكنك وحدك من تعيش عمرك؟
فالعمر تجربة فردية؛ لا يمكن أن يشاركك فيها أحد، ووحدك من تعيش خسرانك، العمر هو انفرادك بكتابة قصيدتك الخاصة، بأبنيتها، وأبياتها، وقافيتها، وإيقاعها، وبصوت المواسم الغنية فيها، قصيدة، أبياتها مرصوفة بلبنات تحكي احتراقًا ذاتيًا أصبح فيما بعد توهجًا خالدًا في دندنة الملأ الأعلى.
(وَالْعَصْرِ)، إذا العصر هو ما تبقى لك؛ حيث يتحرك النقصان بحرية عالية في ممرات عمرك، ويكسب كل يوم من بعضك.
فهل وعيت معنى القسم بالعصر!

لطلب الكتاب:

فقه بناءِ الإنسان في القرآن مُحاولةٌ لإضاءة قنديلٍ في فقه المُدارَسة، بعدَ أنْ ذبل زيت ‏القناديل في صحون مساجد الأُمَّة!‏

مُحاولةٌ لاكتشافِ كيف صنع القرآن إنسانَ الرسالةِ؟ كيف بنى قامات شيَّدت حضارة إسلامية ‏باهرة؟ وكيف كانت الكلمات تُعِيد تشكيل العقل والنفس والسلوك؟

لذا كان كتاب: (فقه بناء الإنسان في القرآن) مُحاولةً لاستجلاءِ لَبِناتِ الصياغة الأولى، لَبِناتٍ ‏فاضتْ بمعانٍ هائلة عبر سوَرٍ قصيرة وبضعِ كلماتٍ.

فاضتْ لهم وفاضتْ بهم، وتشرَّبوها حتى صار معاشهم بها جِنَانَ الذاكرة البشرية.‏

شارك بتعليقك
جميع الحقوق محفوظة - مكتبات الشروق 2024